فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} يقول عجب ورضي المتخلفون عن الغزو وهم المنافقون.
{بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُولِ الله}، يعني: بتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَكَرِهُواْ أَن يجاهدوا بأموالهم وَأَنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ الله وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ في الحر}، يعني: قال بعضهم لبعض: لا تخرجوا إلى الغزو، فإن الحر شديد.
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} لهم يا محمد: {نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} يعني: لو كانوا يفهمون ويعقلون.
وفي قراءة ابن مسعود {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَرِحَ المخلفون} عن غزوة تبوك {بِمَقْعَدِهِمْ} بقعودهم {خِلاَفَ رَسُولِ الله} قال قطرب والمؤرخ: يعني مخالفة لرسول الله حين سار وأقاموا، وقال أبو عبيدة: يعني بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأنشد الحرث بن خالد:
عقب الربيع خلافهم فكأنما ** بسط الشواطب بينهن حصيرا

أي بعدهم، ويدل على هذا التأويل قراءة عمرو بن ميمون: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر} وكانت غزوة تبوك في شدة الحر {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} يعلمون ذلك، هُو في مصحف عبد الله. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} أي المتروكون.
{بِمَقْعَدِهْم خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قول الأكثرين.
والثاني: معناه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله أبو عبيدة وأنشد.
عفت الديار خلافهم فكانما ** بسط الشواطب بينهن حصيرًا

أي بعدهم.
{وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ} فيه وجهان:
أحدهما: هذا قول بعضهم لبعض حين قعدوا.
والثاني: أنهم قالوه للمؤمنين ليقعدوا معهم، وهؤلاء المخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك وكانوا أربعة وثمانين نفسًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ} هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم وفي ضمنها وعيد، وقوله: {المخلفون} لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون، ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر، ومقعد مصدر بمعنى القعود، ومثله:
من كان مسرورًا بمقتل مالك

وقوله: {خلاف} معناه بعد وأنشد أبو عبيدة في ذلك: [الكامل]
عقب الربيع خِلاَفُهمْ فكأنَّما ** بسط الشواطب بينهنَّ حصير

يريد بعدهم ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى ** تأهَّبْ لأخرى مثلَها فَكَأَنْ قدِ

وقال الطبري هو مصدر خالف يخالف.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا هو مفعول له، والمعنى {فرح المخلفون بمقعدهم} لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصدر ونصبه في القول الأول كأنه على الظرف، وكراهيتهم لما ذكر هي شح إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله فهم يظنون بالدنيا، وقولهم: {لا تنفروا في الحر} كان لأن غزوة تبوك كانت في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال، قاله ابن عباس وكعب بن مالك والناس، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة {خلف} وذكرها يعقوب ولم ينسبها وقرئ {خُلف} بضم الخاء، ويقوي قول الطبري أن لفظة الخلاف هي مصدر من خالف ما تظاهرت به الروايات من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر فعصوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين.
وقال محمد بن كعب: قال: {لا تنفروا في الحر} رجل من بني سلمة.
وقال ابن عباس: قال رجل يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر في الحر، قال النقاش: وفي قراءة عبد الله: {يعلمون} بدل {يفقهون}، وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم} يعني: المنافقين الذين تخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
والمخلَّف: المتروك خلفَ من مضى.
{بمقعدهم} أي: بقعودهم.
وفي قوله: {خلافَ رسول الله} قولان:
أحدهما: أن معناه: بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو عبيدة.
والثاني: أن معناه: مخالَفَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منصوب، لأنه مفعول له، فالمعنى: بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الزجاج.
وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، والأعمش، وابن أبي عبلة: {خَلْفَ رسول اللهِ} ومعناها: أنهم تأخَّروا عن الجهاد.
وفي قوله: {لا تنفروا في الحرِّ} قولان:
أحدهما: أنه قول بعضهم لبعض، قاله ابن اسحاق، ومقاتل.
والثاني: أنهم قالوه للمؤمنين، ذكره الماوردي.
وإنما قالوا هذا، لأن الزمان كان حينئذ شديد الحر.
{قل نار جهنم أشد حرًا} لمن خالف أمر الله.
وقوله: {يفقهون} معناه: يعلمون.
قال ابن فارس: الفقه: العلم بالشيء.
تقول: فَقِهْتُ الحديث أَفْقَهُهُ؛ وكل علم بشيء: فقه، ثم اختص به علم الشريعة، فقيل لكل عالم بها: فقيه.
قال المصنف: وقال شيخنا علي بن عبيد الله: الفقه في إطلاق اللغة: الفهم، وفي عرف الشريعة: عبارة عن معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلَّفين، بنحو: التحليل، والتحريم، والإيجاب، والإجزاء، والصحة، والفساد، والغرم، والضمان، وغير ذلك.
وبعضهم يختار أن يقال: الفِقْه: فَهْمُ الشيء.
وبعضهم يختار أن يقال: عِلْمُ الشيء. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ} أي بقعودهم.
قعد قعودًا ومقعدًا؛ أي جلس.
وأقعده غيره؛ عن الجوهريّ: والمخلّف المتروك؛ أي خلّفهم الله وثبّطهم، أو خلفهم رسول الله والمؤمنون لمّا علموا تثاقلهم عن الجهاد؛ قولان، وكان هذا في غزوة تبوك.
{خِلاَفَ رَسُولِ الله} مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرًا.
والخلاف المخالفة.
ومن قرأ {خَلْفَ رسولِ اللَّهِ} أراد التأخر عن الجهاد.
{وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الحر} أي قال بعضهم لبعض ذلك.
{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ} أي قل لهم يا محمد نار جهنم.
{أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ابتداء وخبر.
{حرًا} نصب على البيان؛ أي من ترك أمر الله تعرض لتلك النار. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} يعني فرح المتخلفون عن غزوة تبوك والمخلف المتروك بمقعدهم يعني بقعودهم في المدينة خلاف رسول الله يعني بعده وعلى هذا المعنى خلاف بمعنى خلف فهو اسم للجهة المعينة لأن الإنسان إذا توجه إلى قدامه فمن تركه خلفه فقد تركه بعده وقيل معنه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى تبوك وأقاموا بالمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أمرهم بالخروج إلى الجهاد فاختاروا القعود مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى: {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} والمعنى أنهم فرحوا بسبب التخلف وكرهوا الخروج إلى الجهاد وذلك أن الإنسان يميل بطبعه لى إيثار الراحة والقعود مع الأهل والولد ويكره إتلاف النفس والمال وهو قوله سبحانه وتعالى: {وقالوا لا تنفروا في الحر} وكانت غزوة تبوك في شدة الحر فأجاب الله عن هذا بقوله سبحانه وتعالى: {قل نار جهنم أشد حرًا لو كانوا يفقهون} يعني: قل يا محمد لهؤلاء الذين اختاروا الراحة والقعود خلافك عن الجهاد في الحر أن نار جهنم التي هي موعد في الآخرة أشد حرًا من حر الدنيا لو كانوا يعلمون.
قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف.
فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفر في الحر فقال الله قل نار جهنم أشد حرًا لوكانوا يفقهون فأمره الله تعالى بالخروج. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} لما ذكر تعالى ما ظهر من النفاق والهزء من الذين خرجوا معه إلى غزوة تبوك من المنافقين، ذكر حال المنافقين الذين لم يخرجوا معه وتخلفوا عن الجهاد، واعتذروا بأعذار وعلل كاذبة، حتى أذن لهم، فكشف الله للرسول صلى الله عليه وسلم عن أحوالهم وأعلمه بسوء فعالهم، فأنزل الله عليه: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله الآية: أي: عن غزوة تبوك.
وكان الرسول قد خلفهم بالمدينة لما اعتذروا، فأذن لهم.
وهذه الآية تقتضي التوبيخ والوعيد.
ولفظة المخلفون تقتضي الذم والتحقير، ولذلك جاء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وهي أمكن من لفظة المتخلفين، إذ هم مفعول بهم ذلك، ولم يفرح إلا منافق فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر.
ولفظ المقعد يكون للزمان والمكان، والمصدر وهو هنا للمصدر أي: بقعودهم، وهو عبارة عن الإقامة بالمدينة.
وانتصب خلاف على الظرف، أي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال: فلان أقام خلاف الحي، أي بعدهم.
إذا ظعنوا ولم يظعن معهم.
قاله أبو عبيدة، والأخفش، وعيسى بن عمرو.
قال الشاعر:
عقب الربيع خلافهم فكأنما ** بسط السواطب بينهنّ حصيرا

ومنه قول الشاعر:
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ** تأهب لأخرى مثلها وكأن قد

ويؤيد هذا التأويل: قراءة ابن عباس، وأبي حيوة، وعمرو بن ميمون خلف رسول الله.
وقال قطرب، ومؤرج، والزجاج، والطبري: انتصب خلاف على أنه مفعول لأجله أي: لمخالفة رسول الله، لأنهم خالفوه حيث نهض للجهاد وقعدوا.
ويؤيد هذا التأويل قراءة من قرأ خُلف بضم الخاء، وما تظاهرت به الروايات من أنه أمرهم بالنفر فغضبوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين وغير مستأذنين، وكراهتهم للجهاد هي لكونهم لا يرجون به ثوابًا، ولا يدفعون بزعمهم عنهم عقابًا.
وفي قوله: {فرح} {وكرهوا} مقابلة معنوية، لأن الفرح من ثمرات المحبة.
وفي قوله: {أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم} تعريض بالمؤمنين ويتحملهم المشاق العظيمة أي: كالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في الجهاد في سبيل الله، وآثروا ذلك على الدعة والخفض، وكره ذلك المنافقون، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان.
والفرح بالقعود يتضمن الكراهة للخروج، وكأن الفرح بالقعود هو لمثل الإقامة ببلده لأجل الألفة والإيناس بالأهل والولد، وكراهة الخروج إلى الغزو لأنه تعريض بالنفس والمال للقتل والتلف.
واستعذروا بشدّة الحر، فأجاب الله تعالى عما ذكروا أنه سبب لترك النفر، وقالوا: إنه قال بعضهم لبعض وكانوا أربعة وثمانين رجلًا.
وقيل: قالوا للمؤمنين لم يكفهم ما هم عليه من النفاق والكسل حتى أرادوا أن يكسلوا غيرهم وينبهوهم على العلة الموجبة لترك النفر.
قال ابن عباس، وأبو رزين والربيع: قال رجل: يا رسول الله، الحر شديد، فلا ننفر في الحر.
وقال محمد بن كعب هو رجل من بني سلمة انتهى.
أي: قال ذلك عن لسانهم، فلذلك جاء وقالوا بلفظ الجمع.
وكانت غزوة تبوك في وقت شدّة الحر وطيب الثمار والظلال، فأمر الله نبيه أن يقول لهم: قل نار جهنم أشد حرًا، أقام الحجة عليهم بأنه قيل لهم: إذا كنتم تجزعون من حر القيظ، فنار جهنم التي هي أشدّ أحرى أن تجزعوا منها لو فقهتم.
قال الزمخشري: قل نار جهنم أشدّ حرًا استجهال لهم، لأنّ من تصوّن من مشقة ساعة فوقع بذلك التصوّن في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل.
ولبعضهم:
مسرّة أحقاد تلقيت بعدها ** مساءة يوم إربها شبه الصاب

فكيف بأن تلقى مسرة ساعة ** وراء تقضيها مساءة أحقاب

انتهى.
وقرأ عبيد الله: يعلمون مكان يفقهون، وينبغي أن يحمل ذلك على معنى التفسير، لأنه مخالف لسواد ما أجمع المسلمون عليه، ولما روي عنه الأئمة. اهـ.